علي قباجه
أمسى مصطلح "معاداة السامية"، حصان طروادة لاختراق وإفشال كل فعل مناهض للسياسات "الإسرائيلية"، فمن يقف في وجه تغول العقيدة الصهيونية التوسعية الإقصائية الاستعمارية، يوصف من قبل مؤيدي الاحتلال بأنه "معادٍ للسامية"، وبهذا فإنه أضحى مصطلحاً مبتذلاً يراد به حماية "إسرائيل" من أي نضال موجه ضدها، فهم يحاولون تفريغ النضال من مضمونه السياسي بتحويله إلى بكائية "الاضطهاد الديني"، وفي الواقع فإنه لا مشكلة لأحد مع اليهودية كديانة، فهي دين سماوي، ولكن ما يفعله الاحتلال في فلسطين هو فعل إجرامي لا يمت لأي دين بصلة، ومن يقف في وجهه ويقول لا، فهو يعترض على ساديتهم وعنجهيتهم وسفكهم للدماء، لا على التوراة وما يعتنقون.
كثرت في الآونة الأخيرة استخدامات شماعة "معاداة السامية"، فتارة يوصف بها الفلسطينيون وتارة أخرى حركات أوروبية مناصرة للقضية.. وغيرها، ومن يمتطون صهوة المصطلح في معظمهم سياسيون ومتنفذون ينفذون أجندات الاحتلال في معاداة كل من يقف له بالمرصاد، وبالنسبة لهم فإن من يعترض على "إسرائيل"، فالتهمة له جاهزة وقالبها متوفر، وهي نشر كره اليهود.
ومؤخراً، عمل البرلمان الألماني على اتهام "حركة مقاطعة "إسرائيل" بأنها تعادي اليهود، ووصفها أيضاً ب"معادة السامية"، وتعهد بمحاربتها وتكسير مجاديفها، ووصم دعوات الحركة بأنها مشابهة لما قام به هتلر في الحقب النازية، وتزامن خطاب البرلمان مع تصاعد الدعوات لمقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" في "إسرائيل"، وذلك للتخفيف من الضغط الملقى من قبل الحقوقيين على الإذاعات الأوروبية التي تنقل الحدث من الأراضي المحتلة، وادعى البرلمان أن معركة حركة المقاطعة "تذكر بالمرحلة الأفظع في تاريخ ألمانيا"، في ظل النظام النازي الذي قاده هتلر.
"إسرائيل" ومن لف لفها، تستخدم هذه الورقة للقضاء على خصومها وعزلهم والتشهير بهم، وحتى على اليهود الرافضين لسياساتها، ولطالما استخدمت النداءات الدينية لتنفيذ أغراضها السياسية، فهي احتلت كامل فلسطين بزعم النبوءات التوراتية، وبنفس النبوءات حاولت سابقاً وما زالت تحاول سرقة سيناء، بزعم أنها أرض التيه، كما أنها تطمح للتوسع إلى جهة الأردن.
فساسة الاحتلال يتخذون من الديانة اليهودية أداة لتنفيذ الأجندات، في حين أن المنتمين للصهيونية العالمية يسيرون على نفس النهج. أمريكا وأوروبا وكثير من الدول، تعتبر "إسرائيل" الابنة المدللة، فتغض الطرف عن تجاوزها للقوانين، فهي فوق القانون، وبالتالي لا يمكن محاسبتها أو الوقوف في وجهها، ومن يتجرأ على الرفض يواجه حرباً شعواء تصل إلى حد الشيطنة.
"حركة المقاطعة" تتحرك سياسياً، وأدواتها سلمية وواضحة، ولم يصدر منها يوماً فعل أو قول يدعو لمناهضة اليهودية؛ بل هي تطمح لإعادة الحقوق إلى أصحابها، والدعوة إلى عدم المشاركة في الإجرام المتصاعد في فلسطين، كما أنها تطالب بمقاطعة المستوطنات والسلع المصنعة فيها، وتناشد المشاهير والمؤسسات بعدم المساهمة في تعزيز الاحتلال، وفي المجمل فإن دعواتها نبيلة، وإنسانية بحتة، وليس كما تروج "إسرائيل" وأدواتها في العالم بأنها عنصرية تستهدف المعتقد.
الاستماتة في الدفاع عن الاحتلال تُظهر عوار العالم الذي يكيل بمكيالين، فتارة يدعي الإنسانية في قضايا له فيها مآرب سياسية، وتارة أخرى يقف مع الظلم.. العالم يحكمه التوحش.. ومنطق الغاب.